تدبّين دبَّ الوهنِ في جسميَ الفاني | وأجري حثيثاً خلف نعشي وأكفاني |
فأجتاز عمري راكضاً متعثّراً | بأنقاض آمالي وأشباح أشجاني |
وأبني قصوراً من هباءٍ وأشتكي | إذا عبثتْ كفُّ الزمانِ ببنياني |
ففي كل يومٍ لي حياةٌ جديدةٌ | وفي كلّ يومٍ سكرةُ الموتِ تغشاني |
ولولا ضبابُ الشكّ يا دودةَ الثرى | لكنتُ أُلاقي في دبيبِكِ إيماني |
فأترك أفكاري تُذيع غرورَها | وأترك أحزاني تكفّن أحزاني |
وأزحف في عيشي نظيرَكِ جاهلاً | دواعيَ وجدي أو بواعثَ وجداني |
ومستسلماً في كلّ أمرٍ وحالةٍ | لحكمةِ ربّي لا لأحكام إنسان |
**** |
فها أنتِ عمياءٌ يقودكِ مُبصرٌ | وأمشي بصيراً في مسالك عُميان |
لكِ الأرضُ مهدٌ والسماءُ مظلّةٌ | ولي فيهما من ضيق فكريَ سِجْنان |
لئن ضاقتا بي لم تضيقا بحاجتي | ولكنْ بجهلي وادّعائي بعرفاني |
ففي داخلي ضدّان: قلبٌ مُسلِّمٌ | وفكرٌ عنيد بالتساؤل أضناني |
توهّم أن الكونَ سِرٌّ وأنّهُ | يُنال ببحثٍ أو يُباح ببرهان |
فراح يجوب الأرضَ والجوَّ والسَّما | يُسائل عن قاصٍ ويبحث عن دان |
وكنتُ قصيداً قبل ذلك كاملاً | فضعضع ما بي من معانٍ وأوزان |
**** |
وأنتِ التي يستصغر الكلُّ قدرَها | ويحسبها بعضٌ زيادةَ نقصان |
تدبّين في حضن الحياةِ طليقةً | ولا همَّ يُضنيكِ بأسرارِ أكوان |
فلا تسألين الأرضَ مَنْ مدَّ طولَها | ولا الشمسَ من لظّى حشاها بنيران |
ولا الريحَ عن قصدٍ لها من هبوبها | ولا الوردةَ الحمراءَ عن لونها القاني |
وما أنتِ في عين الحياةِ دميمةٌ | وأصغرُ قَدْراً من نسورٍ وعُقبان |
فلا التبرُ أغلى عندها من ترابها | ولا الماسُ أسنى من حجارةِ صَوّان |
هل استبدلتْ يوماً غراباً ببلبلٍ | وهل أهملتْ دوداً لتلهو بغزلان؟ |
وهل أطلعتْ شمساً لتحرقَ عوسجاً | وتملأ سطحَ الأرضِ بالآس والبان؟ |
لعمركِ، يا أختاه، ما في حياتنا | مراتبُ قَدْرٍ أو تفاوتُ أثمان |
مظاهرها في الكون تبدو لناظرٍ | كثيرةَ أشكالٍ عديدةَ ألوان |
وأُقنومُها باقٍ من البدء واحداً | تجلّتْ بشُهبٍ أم تجلّتْ بديدان |
وما ناشدٌ أسرارَها، وهو كشفُها، | سوى مشترٍ بالماء حرقةَ عطشان |